الجمعة، 20 مارس 2015

حبّة الخردل والمرأة الصينية



تروي حكاية صينيّة أنّ سـيّدة عاشت مع ابنها الوحيد في سعادة ورضا حتّى جاءه الموت، حزنت السّيّدة جدّاً لموت ولدها؛ ولكنّها لم تيأس بل ذهبت من فرط حزنها إلى حكيم القرية، وطلبت منه أن يخبرها الوصفة الضروريّة لاستعادة ابنها إلى الحياة مهما كانت أو صعبت تلك الوصفة، أخذ الشّيخ الحكيم نفساً عميقاً، وشرد بذهنه ـ وهو يعلم استحالة طلبها ـ ثمّ قال: أنت تطلبين وصفة؟! حسناً.. أحضري لي حبّة خردل، واحدة بشرط أن تكون من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً.
وبكلّ همّة أخذت السّيـّدة تدور على بيوت القرية كلّها وتبحث عن هدفـها: حبّة خردل من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً، طرقت السّيّدة باباً ففتحت لها امرأة شابّة فسألتها السّيّدة هل عرف هذا البيت حزناً من قبل؟ ابتسمت المرأة في مرارة وأجابت: وهل عرف بيتي هذا إلّا كلّ حزن؟ وأخذت تحكي للسّيّدة أنّ زوجها توفّي منذ سنة، و ترك لها أربعة من البنات والبنين ولا مصدر لإعالتهم سوى بيع أثاث الدّار الّذي لم يتبقّ منه إلّا القليل، تأثّرت السّيّدة جدّاً وحاولت أن تخفّف عنها أحزانها، و في نهاية الزّيارة صارتا صديقتين، ولم تشأ الأرملة أن تدعها تذهب إلّا بعد أن وعدتها الأولى بزيارة أخرى؛ فقد فاتت مدّة طويلة منذ أن فتحت قلبها لأحد تشتكي له همومها، وقبل الغروب دخلت السّيّدة بيتاً آخر ولها نفس المطلب؛ ولكنّ الإحباط سرعان ما أصابها عندما علمت من سيّدة الدّار أنّ زوجها مريض جدّاً، وليس عندها طعام كاف لأطفالها منذ فترة، وسرعان ما خطر ببالها أن تساعد هذه السّيّدة، ذهبت إلى السّوق واشترت بكلّ ما معها من نقود طعـام، وبقول ودقيق، وزيت، ورجعت إلى سيّدة الدّار وساعدتها في طبخ وجبة سريعة للأولاد، واشتركت معها في إطعامها، ثمّ ودّعتها على أمل زيارتها في مساء اليوم التّالي، وفي الصّباح أخذت السّيّدة تطوف من بيت إلى بيت تبحث عن حبّة الخردل، طال بحثها لكنّها للأسف لم تجد ذلك البيت الّذي لم يعرف الحزن مطلقاً، لكي تأخذ من أهله حبّة الخردل، ولأنّها كانت طيّبة القلب فقد كانت تحاول مساعدة كلّ بيت تدخله في مشاكله وأفراحه، وبمرور الأيّام، أصبحت السّيّدة صديقة لكلّ بيت في القرية، نسيت تماماً أنّها كانت تبحث في الأصل على حبّة خردل من بيت لم يعرف الحزن، ذابت في مشاكل ومشاعر الآخرين، ولم تدرك قطّ إنّ حكيم القرية قد منحها أفضل وصفة للقضاء على الحزن، حتّى ولو لم تجد حبّة الخردل الّتي كانت تبحث عنها، فالوصفة السّحريّة قد أخذتها بالفعل يوم دخلت أوّل بيت من بيوت القرى، فرحة مع الفرحين، وباكية مع الباكين، ليست مجرّد وصفة اجتماعيّة لخلق جوّ من الألفة والاندماج بين النّاس؛ إنّما هي دعوة لكي يخرج كلّ واحد من أنانيته، وعالمه الخاصّ، ليحاول أن يهب لمن حوله بعض المشاركة الّتي تزيد من البهجة في وقت الفرح، والتعازي في وقت الحزن ...

0 التعليقات:

إرسال تعليق